
مُلخَّص كتاب “شركة الاستبداد: الدكتاتوريُّون الَّذين يُريدون حُكم العالَم”
تأليف: آن أبلباوم
في هذا الكتاب التحليليّ العميق، تُسلِّط آن أبلباوم الضوءَ على تحوُّلِ الأنظمة الاستبداديَّة الحديثة إلى شبكةٍ عابرةٍ للحدود، تتعاونُ فيما بينها لتقويض الديمقراطيَّات حولَ العالم. لم تَعُدْ هذه الأنظمةُ قائمةً على أيديولوجيا واحدة أو شخصيةٍ كاريزميَّة، بل باتت تُشكِّلُ ما يُشبهُ “شركةً عالميَّةً للاستبداد”، هدفها البقاءُ في الحكمِ وتوسيعُ نفوذِها.
الاستبداد كشبكة عالميَّة
تُقدِّم الكاتبةُ وصفًا مُفصَّلًا لطبيعة هذا التحالف الاستبداديّ، حيث تتعاون دولٌ مثل روسيا، الصين، إيران، فنزويلا، وبلدانٌ أخرى، في تبادُلِ الدعمِ اللوجستي، والتقني، والمالي، والدعائي. تُدرَّبُ قواتُ الأمنِ في بعضِ الدولِ على يدِ دولٍ أُخرى، وتُبثُّ دعاياتُ نظامٍ ما عبرَ وسائل إعلامٍ تابعةٍ لحليفٍ له. هكذا، يتحوَّلُ الاستبدادُ من نظامٍ محلِّيٍّ إلى مشروعٍ دوليٍّ مُتعدِّدِ الفروع.
الفساد المُمنهج: أداة للسلطة
لا تَعتبرُ الأنظمةُ الاستبداديَّة الفسادَ خللًا، بل تُوظِّفُهُ أداةً مركزيَّةً للسيطرةِ وتوزيعِ الولاءات. في روسيا، يُستخدمُ المالُ لشراءِ ذِممِ النُّخب، وفي الصين، تُوزَّعُ المنافعُ من خلالِ هرمِ السلطةِ الحزبيّ. هذا الفسادُ ليسَ داخليًّا فقط، بل يمتدُّ إلى النظامِ الماليّ العالميّ؛ حيث تُغسَلُ الأموالُ المنهوبةُ في العواصمِ الغربيَّة، وتُستثمرُ في العقاراتِ والشركاتِ الكبرى.
الدعاية وتضليل الشعوب
تعتمدُ “شركةُ الاستبداد” على حربٍ إعلاميَّةٍ عالميَّةٍ تستهدفُ إضعافَ ثقةِ الشعوبِ بالديمقراطيَّة. تُسخِّرُ قنواتٍ مثل “روسيا اليوم” و”CGTN” الصينيَّة لنشرِ رسائلَ تُروِّجُ لفشلِ الغربِ، وتُظهِرُ الأنظمةَ السلطويَّةَ كمصدرِ استقرارٍ وتقدُّم. كذلك، تُغرقُ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيّ بأخبارٍ زائفةٍ وحملاتٍ مُنظَّمةٍ تهدفُ إلى تَفكيكِ المجتمعاتِ الديمقراطيَّةِ من الداخل.
التكنولوجيا: وجه الاستبداد الجديد
لم تَعُد التكنولوجيا أداةَ تحرُّرٍ كما كان يُؤمَل، بل تحوَّلت إلى وسيلةِ قمعٍ فعَّالة. تُطوِّر الصين نظامًا مُعقَّدًا للرَّقابةِ يُعرَف بـ”نظام الائتمان الاجتماعي”، يُقيِّمُ سلوكَ المواطنين ويُكافئهم أو يُعاقبهم. وقد بدأت دولٌ استبداديَّةٌ أُخرى، مثل إيران وفنزويلا، في استنساخ هذه التجربة. تُسهمُ شركاتٌ خاصَّةٌ في تطويرِ هذه الأنظمة، في تواطؤٍ واضحٍ بين السلطةِ ورأس المال.
تحالف المصالح والقمع
تتقاطعُ مصالحُ الأنظمةِ الاستبداديَّةِ فتتبادلُ الدَّعم. تُدرِّبُ الصينُ الشرطةَ في إفريقيا، وتُرسِلُ روسيا مرتزقة “فاغنر”، وتُزوِّدُ إيران حلفاءَها بالسلاح. تُسخَّرُ المؤسساتُ الدوليَّةُ أحيانًا لخدمةِ هذه التحالفات، إذ تدعمُ هذه الدولُ بعضَها البعضَ في التصويتِ داخلَ الأمم المتحدة، وتُشوِّهُ التقاريرَ الحقوقيَّةَ وتُحاصرُ المنظماتِ المستقلَّة.
اختراق الديمقراطيَّات
تُحذِّرُ أبلباوم من تغلغلِ الاستبدادِ في قلبِ الديمقراطيَّات. فبعضُ الساسةِ الغربيِّينَ باتوا يُدافعونَ عن هذه الأنظمة، بدافعِ المصالحِ أو الإعجابِ بالقوَّةِ الظاهريَّة. كذلك، تُموَّلُ أحزابٌ متطرِّفةٌ من الخارج، وتُستخدمُ دعاياتُ “شركة الاستبداد” للتأثيرِ على الانتخاباتِ وبثِّ الانقسامِ داخلَ المجتمعاتِ الليبراليَّة.
أوكرانيا: المعركةُ الفاصلة
تخصِّصُ الكاتبةُ حيِّزًا كبيرًا لأوكرانيا، معتبرةً أنَّها تُجسِّدُ الصِّراعَ بين النظامين. الثورةُ الأوكرانيَّة عام 2014 كانت رفضًا للهيمنةِ الروسيَّة وسعيًا نحوَ أوروبا الديمقراطيَّة، ما اعتبره بوتين تهديدًا مباشرًا. الحربُ اللاحقةُ ليست صراعًا إقليميًّا فقط، بل اختبارٌ لإرادةِ الديمقراطيَّات وقدرتِها على حمايةِ القِيَمِ التي تؤمنُ بها.
ما الذي يُمكنُ فعله؟
تَعرضُ أبلباوم مجموعةً من التوصياتِ العمليَّةِ لمواجهةِ “شركةِ الاستبداد”، أهمُّها:
- إصلاحُ النظامِ الماليِّ العالميِّ لمنعِ غسيلِ الأموالِ ووقفِ تدفُّقِ الثرواتِ المسروقة.
- حظرُ تصديرِ تقنيَّاتِ المُراقبةِ للدولِ القمعيَّة.
- تنظيمُ وسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ ومُحاسبةُ الشركاتِ العملاقة على دورِها في نشرِ التضليل.
- دعمُ حركاتِ المُعارضةِ المدنيَّةِ حولَ العالمِ بالتدريبِ والمواردِ والتقنية.
- تأسيسُ تحالفاتٍ اقتصاديةٍ بينَ الدولِ الديمقراطيَّةِ تُقلِّلُ من الاعتمادِ على الأنظمةِ الاستبداديَّة.
خاتمة: الصِّراع بين نظامَين
تؤكِّدُ أبلباوم في ختامِ كتابِها أنَّ العالمَ يقفُ أمامَ صراعٍ حقيقيٍّ بين نظامَين: الأولُ ديمقراطيٌّ يقومُ على الشفافيَّةِ والحُكمِ الرشيد، والثاني استبداديٌّ يُقيمُ سلطتَه على الخوفِ والتضليلِ والفسادِ. وتُشدِّدُ على أنَّ الخيارَ ليسَ بين شرقٍ وغرب، بل بين الحريَّةِ والعبوديَّة، وأنَّ كلَّ فردٍ، وكلَّ دولةٍ، عليه أن يختارَ.